“مجاعة البطاطا”.. إليك قصة مجاعة أيرلندا الكبرى
هناك مجاعات كثيرة نسمع عنها تحدث حول العالم، ومن من الطبيعى حينها يواجه الشعب نقص ما في موارده الغذائية، فالمجاعات هي ظواهر تاريخية ضربت بلاد وشعوب مختلفة، ربما يصعب في وقتنا الحاضر تخيلها رغم سماعنا التقارير المستمرة عن جوع يعاني منه ملايين من الأطفال في العالم اليوم.
وعند نقص إحدى المحاصيل الغذائية يقوم بالتعويض عنها محصول أخر، لكن هذا لم يكن متاحًا في أيرلندا عام 1845م، في خلال الفترة من سنة 1840م حتى نهاية الأربعينات، كان محصول البطاطس هو الغذاء الرئيسي للفلاحين في أيرلندا، وكانت العائلة الريفية تكاد لا تزرع غير البطاطس، ربما لملاءمة الظروف المناخية لزراعته، لكن الأهم من ذلك هو أن محصول البطاطس يعطي إنتاجًا وفيرًا من خلال رقعة بسيطة من الأرض الزراعية.
أيرلندا.. في 24من سبتمبر عام 1845م، كان الطقس مشمسًا وجيد جدًا لنمو محصول البطاطس، ولكن سرعان ما تغير الأمر وأصبح الطقس رطبًا، وغائمًا، وباردًا، وسقطت أمطار غزيرة على القرى، في هذا اليوم جاءت موجة من الغضب والدمار على محاصيل البطاطس في أيرلندا، كانت هذه الموجة كافية لحدوث وباء في المحصول يُعرف بمرض “لفحة البطاطس”.
كان لمحصول البطاطس تلك الأهمية الكبرى كغذاء رئيسي دون بدائل له يعتمد عليه فقراء أيرلندا والفلاحين والذين لا يمكنهم في نفس الوقت توفير أي مورد آخر للغذاء، أصبح أي خطر يهدد محصول البطاطس، يمكن أن يؤدي إلى مجاعة في البلاد.
تملك الموت والبؤس من الفقراء والفلاحون في أيرلندا.. فحلت الإصابة الوبائية بمحصول البطاطس، لقد تلف المحصول في كل المزارع حيث بدا عليه السواد وأصابه العفن، وعلى الناس بالجوع، كان المحصول في حالة الذبول، لا يمكن تذوقه لانبعاث رائحة كريهة جدًاً من البطاطس عندما حاول البعض غليها في الماء.
كان الفلاحون يحفرون الأرض بحثًاً عن حبة بطاطس، وقد يجدونها متعفنة فيقطعون الجزء المتعفن ويأكلون السليم اضطر الناس إلى أكل حشائش الأرض، لكن الكثيرين منهم لم يستطيعوا أن يتحملوا الجوع، فكان يموت منهم يوميًا أعداد كبيرة حتى أن الأكفان التابعة للموتى لم تعد تكفي تلك الأعداد الهائلة، فكان الميت يدفن داخل لفافة من القش.
بينما الناجون منهم الذين أمكنهم تحمل الجوع، فكانوا أقرب إلى الهياكل العظيمة منهم إلى الإنسان وازداد الأمر سوءًا حين بدأ الناس يعانون من المرض إلى جانب الجوع، وسرعان ما انتشرت الأمراض وظهرت الأوبئة بين الناس، ومات نحو مليون مواطن جراء هذه الكارثة.
هاجر الكثير هربًا من المجاعة، فقد هاجر نحو مليون ونصف إلى أميريكا وكندا وبريطانيا، وكان تعداد أيرلندا ثمانية ملايين نسمة وكانت السفن تزدحم بالركاب بصورة غير عادية، قد تركز من ذهب منهم إلى الولايات المتحدة الأميركية في مدن بوسطن، ونيويورك، وفيلادلفيا، وبينسلفانيا، وبالتيمور، ماريلاند ، وأصبحوا مسيطرين على صناعة المعادن في بعض المناطق.
رأى الأيرلنديين أنه كان من واجب الحكومة البريطانية أن تقدم يد العون لجيرانها في أيرلندا، لكن أن ذلك جاء متأخرًا، فكان مجرد عون زائف لم يمكن الشعب الأيرلندي من مواجهة الأزمة بالقدر المطلوب، ذلك رغم أنه كان بإمكان الإنجليز تقديم يد المساعدة بشكل أكثر إيجابية يوقف من تلك الأزمة الطاحنة.
فكل ما فعلته الحكومة البريطانية وقتها هو تقديم وجبات محدودة للشعب الأيرلندي كانت لا تكفيهم، كما نظمت الحكومة البريطانية برامج عمل للأيرلنديين في إنجلترا، وكانت عبارة عن أعمال شاقة فكان يعمل جزء كبير منهم في تكسير الحجارة بالطرق، وقد شارك النساء والأطفال رجالهم في ذلك العمل الشاق، وقد زاد من حالتهم سوء الأحوال المناخية في ذلك الوقت، حتى أن كثيرًا منهم كانوا يتساقطون موتى أثناء العمل.
وعندما علم العالم الخارجي بهذه الكارثة، أرسلت عدة دول شحنات سفن من الطعام ومواد الإغاثة لأيرلندا، وعلى الرغم من توزيع المساعدات، فأن هناك الكثير من الاشخاص لقوا حتفهم، بسبب الجوع والمرض، وهاجر عدد مماثل، وهبط تعداد سكان أيرلندا من 8 ملايين إلى 6,5 ملايين، وبينما في المقاطعات الأكثر فقرًا فقد انخفض العدد إلى النصف.