عبد السلام الزغيبي يكتب.. ايرلندا.. جزيرة الزمرد (3)
العاصمة دبلن أكثر من رائعة، واشتق اسمها الانجليزي من الاسم الايرلندي” دوبهلين” ويعني البحيرة السوداء وهي تقع على ضفاف نهر ليفي، أقيمت المباني الجميلة المتناسقة غير الشاهقة الارتفاع كل البنايات القديمة تم اضافة لمسة حداثية فنية لها لتبدو اكثر جمالا ومع الشوارع الواسعة النظيفة تبدو المدينة أكثر رونقا. تتميز دبلن بالأماكن التاريخية مثل المتاحف والحدائق والمعارض والحانات والمطاعم.
صباحا وفي انتظار وصول صديقي احمد الكتاف، تجولت في شارع جرافتون الذي يعتبر شارع أحد أقدم شوارع دبلن ومركز رئيسي للتسوق، فهو يضم العديد من المتاجر التي تعرض السلع ذات الجودة العالية والماركات العالمية، إلى جانب مجموعة كبيرة من المطاعم التقليدية والفاخرة، وهناك تمتعت بمشاهدة عدد من الفنانين والموسيقيين الذين يقدمون فنونهم طوال اليوم.
متابعة جولاتي في وسط مدينة دبلن، قمت ظهرا بصحبة الشاب الخلوق احمد الكتاف، صديق أبناء أخي منصور الزغيبي، بزيارة الى معلم تاريخي ثقافي في العاصمة الأيرلندية” دبلن”.وهو مكتبة جامعة دبلن التي تأسست عام 1592 وهي عبارة عن مكتبة إيداع قانوني أو “مكتبة حقوق الطبع والنشر”، مما يعني أنه يجب على الناشرين في أيرلندا إيداع نسخة من جميع منشوراتهم هناك مجاناً.
كما أنها المكتبة الأيرلندية الوحيدة التي تمتلك هذه الحقوق في المملكة المتحدة. تعد المكتبة المقر الدائم لقيثارة برايان بورو التي تعتبر رمزًا وطنياً لأيرلندا، بالإضافة إلى نسخة من إعلان الجمهورية الأيرلندية لعام 1916.
تحمل الرفوف من خشب البلوط بالحجرة الطولية 200 ألف كتاب من أعظم الكتب الغنية بالمعرفة.
في المكتبة شاهدت التماثيل النصفية، لعلماء الفكر اليوناني، سقراط،وارسطو،وافلاطون، هوميروس، إلى جانب كبار الشخصيات الأدبية مثل تمثال أوسكار وايلد وتمثال صامويل بيكيت، وهما الكاتبان اللذان ارتادا المكتبة يوماً ما، لكن ما لاحظته هو عدم وجود تماثيل للنساء بين تماثيل هذه المكتبة.
من كنوز المكتبة تحف مثل كتاب كيلز،الذي كتبه الرهبان من أكثر من 1200 سنة، والآن يعتبر واحدا من المخطوطات الأكثر شهرة وقيمة في الوجود…
جدير بالاشارة، أن أسست الملكة إليزابيث الأولى ملكة إنكلترا هي التي اسست كلية ترينتي في عام 1592 كمركز للتعليم البروتستانتي، مع فكرة كسر التقليد الرهباني للتعلم في جامعة دبلن.
وقبلها قمت صباحا بزيارة الى المتحف الوطني الأيرلندي، الواقع في وسط المدينة..وهو فرع من الوطني الموجود في شارع كيلدير في دبلن..
والمتحف يعتبر المستودع الوطني لجميع القطع الأثرية التي وجدت في أيرلندا، والتي تضم أكثر من مليوني قطعة أثرية. تشمل المعارض مجموعة من القطع الأثرية الذهبية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في أوروبا الغربية ومنها أمثلة على بعض الأعمال الحديدية من العصر الحديدي السلتي، ومجموعة من القطع الكنسية والمجوهرات من العصور الوسطى..
هناك شاهدت مجموعة رائعة من الفؤوس البرونزية ، والخناجر ، والسيوف ، والدروع ، والمراجل ، والأبواق البرونزية المصبوبة (أقدم الآلات الموسيقية الأيرلندية المعروفة). هناك عدد قليل من الاسلحة الحديدية في وقت مبكر جدًا.هناك عروض خاصة لعناصر من مصر القديمة ، قبرص و العالم الروماني.
زيارة المتحف كانت ممتعة بدون شك، وهو يحتاج إلى أكثر من زيارة لمشاهدة كل معروضاته التي تغطي مساحة كبيرة من التاريخ الأيرلندي القديم.
وفي نفس اليوم قمت بجولة قصيرة في أقدم مكتبات ايرلندا.” هودقيس فيجيس”وتقع بوسط مدينة دبلن وبالقرب من جامعة دبلن، والتي تعتبر أقدم مكتبة لبيع الكتب في أيرلندا، تخدم دبلن والعالم بأسره منذ عام 1768.
حسب المعلومات التي اطلعت عليها فان المكتبة كانت في موقعها القديم في 10 رو سكينيج، ثم انتقلت في عام 1768 إلى موقعها الحالي في 56-58 شارع داوسون.
كانت مكتبة هواجيس فيجيس” عنصرًا أساسيًا في تقاليد دبلن الثقافية لسنوات. على مدى عشرة أجيال،تزود الزبائن بالمعرفة والثقافة والإبداع..
يمثل القسم الأيرلندي فيها أكبر مخزون من الكتب المتعلقة بأيرلندا، يمكن العثور عليه في أي مكان في العالم.شاهدت أثناء تجوالي داخلها على كتب من جميع الأنواع ، من الخيال إلى الفلسفة والشعر والقصة والطبخ إلى الأطفال بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الألعاب والبطاقات والقرطاسية.التجول فيها يعتبر متعة ورائحة الكتب مازالت تفرض نفسها على كتب الإنترنت..
في مساء نفس اليوم قمت بزيارة الى معلم تاريخي آخر من معالم مدينة دبلن الزاخرة بالمعالم، وهي كاتدرائية كنيسة المسيح التي تقع في قلب مدينة دبلن منذ ما يقرب من 1000 عام. يتم الترحيب بالعديد من الزوار من جميع أنحاء العالم في هذا الموقع التراثي المهم كل يوم.
على مر القرون ، اكتسبت الكاتدرائية سمعة طيبة للتميز في العديد من المجالات من خلال الليتورجيا والتوعية والموسيقى والضيافة. كما أنها فضاء يحتفل بجماله وإحساسه الروحي ودعوة دائمة لجميع الأجيال.
بعد انتهاء الجولة، ارتحت على أحد المقاعد الكثيرة المنتشرة لقضاء فترة الظهيرة بالقرب من مياه النهر الصافية” نهر الليفي” الذي ينساب بهدوء ووداعة حول دبلن لكي يضفي عليه مزيداً من الجمال والرومانسية الخلابة، وهو الذي يقسم دبلن الى نصفين شمالي و جنوبي حيث يمر عبر مركز المدينة و يبلغ طوله حوالي 125 كيلو متر و يصب في البحر الأيرلندي. في هذا المكان المريح، يجلس البعض للقراءة أو لتناول وجبة غداء خفيفة، أو للتمشى في الممر المخصص لذلك.بالنسبة لي عادة ما اشرب القهوة أو عصير مصحوبا بقطعة كيك،بانتظار وجبة ما بعد الظهيرة الدسمة من الماكولات الليبية الطيبة الشهية، التي تعدها كل يوم سيدة البيت” أم عمر” زوجة اخي الكبير منصور.
و بما أن نهر الليفي يمر في وسط المدينة التجاري و يقسمها فإن الحركة دؤوبة على جانبيه و تربط الجسور جانبي المدينة و هناك جسور مخصصة لعبور المشاة وأخرى السيارات وحتى قطار المدينة الداخلي.
انها دبلن عاصمة ايرلندا، حيث التاريخ في كل مكان، في المدينة وفي الارياف، والى لقاء جديد.