كتاب وأراء

عبد السلام الزغيبي يكتب.. ايرلندا.. جزيرة الزمرد (2) الاصالة والحداثة

Advertisements

 

الرحلة والسفر من العوامل الهامة في تجديد نشاط المرء، ودفعه الى الدهشة والانبهار، والبحث عن كل جديد، وهذا بدوره يعيد له شبابه وحيويته وحبه للحياة، ويقضي في الوقت نفسه على الملل والرتابة.

اقلعت الطائرة من مطار أثينا الدولي ظهرا، كان مقعدي على متن الطائرة في الصفوف الامامية وبجانب النافذة، مما اتاح لي متابعة عملية الاقلاع. رحب قائد الطائرة بالركاب وطلبت المضيفة من

الركاب ربط الاحزمة. وماهي دقائق حتى اقلعت بهدوء، وبدأت في توزيع المشروبات الساخنة والباردة والاطعمة حسب طلبات كل راكب. وبعد ثلاث ساعات ونصف، بدت ألوان البساط الاخضر في ريف دبلن تتضح أمامنا مشكلة لوحة تشكيلية بديعة، وشيئا فشيئا بدأت الطائرة تهبط بهدوء على مهبط مطار دبلن، معلنة وصولنا بسلام، لقد كانت رحلة مريحة، لم نشعر فيها بالتعب في صعودها وهبوطها، بفضل قائدها البارع.

كان ابن اخي سراج بانتظاري في صالة المطار، وبعد السلام والترحيب، انطلقنا بالسيارة في رحلة استغرقت نصف ساعة، لنصل الى الحي الراقي الذي تسكن فيه عائلة اخي الكبير منصور الزغيبي، حيث كان الجميع في انتظاري بحفاوة وود كبيرين.

هذه هي زيارتي الثانية إلى أيرلندا، بعد مرور عدة سنوات، وجدت عدة تغيرات في البلاد وأنا متجه من المطار لوسط المدينة، فيما يخص النهضة العمرانية المتزايدة، والحاجة الى مزيد من المباني السكنية، الذي يحتاجها الاقتصاد الوطني، ليخدم قطاع الشركات العالمية الكبرى متعددة الجنسيات- مثل جوجل، وفيسبوك، ودروب بوكس، ولينكد إن-  التي تتخذ من أيرلندا مقرًّا لها.

دبلن هي عاصمة ايرلندا. على الرغم من أنها صغيرة، إلا أنها تضم عددًا كبيرًا من السكان. ويزورها سنويا اضعاف اضعاف عدد سكانها (10 مليون سائح في العام) تأسست هذه المدينة لأول مرة من قبل الفايكنج في القرن التاسع . وهي تشتهر بأجوائها التي تملؤها الحيوية والنشاط، هذا فضلًا عن كونها مدينة آمنة. هناك مزايا كثيرة جدًّا للعيش في دبلن: شعب ودود ذو خلفيات متنوعة، وثقافة ثرية، وتاريخ مبهر. الحفاوة وكرم الضيافة اللذين يشتهر بهما الشعب الأيرلندي وضعا الأساس اللازم لتهيئة بيئة مواتية للمقيمين والزائرين.

تقع دبلن، عاصمة جمهورية إيرلندا، على الساحل الشرقي لإيرلندا عند مصب نهر ليفي ويبلغ عدد سكانها حوالي 544.107 نسمة. وتعتبر دبلن واحدة من أشهر المدن السياحية في ايرلندا اذ تضم عدة معالم تجعلها مركز لجذب السياح، وتحتوي المدينة على بنية تحتية فريدة من نوعها تقدم الخدمات التي تلبي احتياجات السياح وتضم أرقي المطاعم والفنادق والمقاهي.

افتتحت زيارتي الثانية بجولة نهارية في شوارع وميادين وسط المدينة، ركبت الترام الذي يعتبر وسيلة مواصلات نظيفة ومنظمة وتسير عرباته بيسر داخل شوارع المدينة الرئيسية والتجول للتعرف على معالم وأماكن سجلتها في مذكرتي استعدادا لزيارتها. والشارع في أي دولة في العالم هو المعبر عنها، تقابل فيه الناس على طبيعتهم، فتعرف الكثير عن مجتمعهم، وتتعرف بالتجول على الأماكن والمعالم وتزيد معرفتك، وفي الأسواق الشعبية تتعرف على حركة البيع والشراء وأسعار المنتجات وأنواع الطعام والشراب، مما يساعدك على تكوين فكرة عامة دقيقة عن المجتمع الذي تزوره.

وبعد اتمام الجولة كانت جلسة في مقهى وسط  السوق المحلي” جورج ستريت اركادي”،في المدينة القديمة دبلن،وهو سوق عتيق تم بناؤه في أواخر القرن التاسع عشر ، وهو مبنى مذهل من الناحية المعمارية ، وتم تصميم التصميم الداخلي كسوق داخلي ، وهو ممتع للغاية للزيارة وإحدى الزيارات الأساسية للمدينة، إنه نوع من سوق الهدايا التذكارية مع عدد قليل من أكشاك الطعام على شكل سوق مغطى.

في اليوم الذي يليه، جهزنا منذ الصباح رحلتنا الطويلة باتجاه مدينة كيرلارني، التي تبعد ب 306 كيلو متر عن دبلن، وقطعتها السيارة التي يقودها ابن أخي سراج منصور الزغيبي في ثلاث ساعات ونصف، وقد قام بتوصيلنا مشكورا، ورجع ثانية إلى دبلن.

وبعد ساعتين تقريبا من السير، وبينما تمتد المناظر جميلة على طول الطريق. كان لابد لنا من التطلع من نافذة السيارة للاستمتاع بالمناظر وتوقف عند القرى الصغيرة والمعالم للاستمتاع، مررنا في طريقنا ببلدة ” كاشيل” ووشاهدنا صخرة كاشيل والمعروفة باسم قلعة الملوك وصخرة سانت باتريك، وهي قلعة تاريخية بها مجموعة مذهلة من مباني القرون الوسطى التي أُنشئت على نتوء من الحجر الجيري هي أحد أروع مناطق الجذب السياحي في أيرلندا وواحد من أكثر الأماكن زيارة.

في كيلارني، المدينة الخضراء، التي توجد في مقاطعة كيري في الجنوب الغربي من أيرلندا، وتشتهر بمتنزه كيلارني الوطني، والبحيرة الكبيرة وعدة متاحف، استرحنا ليلتنا أنا وابن اخي معتز، ومنذ الصباح وبعد الافطار انطلقنا سيرا على الأقدام في البداية ثم استأجرنا حوذي بعربة خيل، نقلنا الى المدينة القديمة، حيث تمتعنا بمشاهدة كنيسة القديسة ماري، والمنتزه الوطني الكبير، الذي يعتبر أول حديقة وطنية أُنشئت بعد التبرع بممتلكات الثري الايرلندي “مكروس” للدولة الإيرلندية الحرة عام 1932م.

وتطورت الحديقة منذ ذلك الحين لتغطي مساحة 102,89 كيلومتر مربع من التضاريس البيئية المتنوعة، بما في ذلك البحيرات، والغابات، والجبال.

وتحمل الحديقة قيمة بيئية عالية بسبب تعدد موائلها، والمجموعة المتنوعة من أنواع الحيوانات فيها، والتي تضم أنواعًا نادرة جدًا.

وقد كانت الحديقة مخصصة لمحمية المحيط الحيوي لليونسكو في عام 1981م، حتى تولت إدارتها الدائرة الوطنية للحياة البرية في البلاد.

وهناك شاهدنا بحيرات كيلارني والشلالات. وتمتعنا بمشاهدة هندستها المعمارية الساحرة. وودعنا المدينة النابضة بالحياة التي تتميز بالريف المحيط الرائع،و أخذنا القطار – انا وابن أخي معتز-،المتجه إلى مدينة كورك، وهي ثاني اكبر مدينة في أيرلندا، من حيث عدد السكان بعد دبلن.

ومن هذا الميناء وغيره، غادر ملايين الأيرلنديين البلاد وهاجروا إلى الولايات المتحدة بعد “مجاعة البطاطس” واستمرت الهجرة الأيرلندية طوال معظم القرن التاسع عشر.وهذا ما يفسر وجود حوالي 34 مليون أمريكي من أصل أيرلندي. بعضهم أيرلندي أصيل، مما يعني أنهم أو آباؤهم أتوا من أيرلندا، ولكن الكثير من الناس اليوم هم من أصول مختلطة. بينما يعيش 5.00 مليون شخص فقط في أيرلندا نفسها.

تجولت انا ومعتز في أوليفر بلانكيت وهو أطول شارع في وسط المدينة حيث يضم العديد من المتاجر التي تلبي كافة الاحتياجات والأذواق، إلى جانب مجموعة مميزة من المطاعم والمقاهي تخلق أجواء مريحة للمتسوقين والمشاة.

وهناك زرنا أبرز معالمها كنيسة “سانت آن” التي تعود إلى القرن الثامن عشر. والتي تعبنا في الوصول اليها انا ومعتز، لأنها تقع على تل مرتفع، على مقربة منها يوجد “متحف الزبدة” الذي يُذَكِّر الناس بكورك لكونها كانت في يوم من الأيام أكبر سوق للزبدة في العالم، حيث كانت منتجات الألبان تُجمع من كل المزارعين الإيرلنديين ليتم إرسالها إلى أنحاء الامبراطورية البريطانية. كما قمنا بزيارة إلى الحديقة الوطنية.

وكورك مدينة تجارية مع قطاع التكنولوجيا الفائقة المتنامي بقيادة أبل ، التي يوجد مقرها الأوروبي هنا. وهي أيضًا مدينة ذات واجهة جديدة كمقر لعدة جامعات دولية، وغالبًا ما توصف بأنها أفضل مكان للدراسة في أيرلندا..

بعد انتهاء رحلتنا الى كورك، عدنا الى مقر اقامتنا مقابل حديقة كيلارني الوطنية، حيث جمعنا امتعتنا وركبنا القطار المتجهة إلى دبلن، إعلانا بانتهاء رحلة ممتعة استمرت لثلاثة ايام، وفي طريق

العودة كانت لنا الفرصة للتمتع بمشاهدة الريف الأيرلندي البديع.

والى عودة في لقاء آخر لجولات في مدينة دبلن الزاهرة…

 

A Zeno.FM Station

Abdal Salam Zaghebi

عبد السلام الزغيبي مواليد بنغازي - ليبيا 1957 تجارب مهنية: ــ 1972 ـ 1973 المراسل الفني لجريدة (الرائد) اليومية الصادرة في مدينة طرابلس. ــ 1981 ـ 1986 محرر ثقافي وكاتب عمود في صحيفة "الحوار" اليومية الصادرة في أثينا. - 1986 - 1990 محرر في صحيفة" صوت الناس" - أثينا. ــ 2009 - 2010 مراسل مجلة (العربي) الكويتية في اليونان ــ محرر في موقع "الحوار المتمدن" الإلكتروني. ــ 1997 - 2014 مدير تحرير في صحيفة" بانوراما" - أثينا ــ 2000 ولغاية الآن٬ سكرتير تحرير صحيفة "الضفتان" الإلكترونية - أثينا. - عضو هيئة تحرير المجلة الثقافية الصادرة عن الهيئة العامة للثقافة في ليبيا. الخبرات: صدر له: - "دع وطني يموت في سبيلي" 2011- دار نشر 17 فبراير بنغازي. - "في بنغازي كانت لنا أيام". 2019 - دار البيان للنشر – بنغازي. - "أيام في قاهرة المعز" 2020 - دار البيان للنشر – بنغازي. - سواح في ظلال المدن، أدب رحلات، مكتب الكون- القاهرة طرابلس - بنغازي ايام زمان/ دار الجابر/2021 - خبز امي (حكايات بنغازية) دار الوليد/طرابلس - ليبيا ما بعد فبراير(مقالات) دار الوليد/ طرابلس - ثلاثون يوما في القاهرة/ دار البيان/ بنغازي تحت الطبع: - مجموعة قصصية بعنوان "الشال الوردي". - حكايا المدينة/ دار البيان بنغازي - أثينا مدينة الحكمة والجمال/ دار الكون/ القاهرة اللغات: - العربية - اليونانية - الإنكليزية اهتمامات: الفن بجميع أشكاله. الهاتف:0306939070102 البريد الإلكتروني: bengaze@gmail.com
زر الذهاب إلى الأعلى

يرجى السماح بعرض الإعلانات

يرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا الإلكتروني يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.