كتاب وأراء

ضحى الباسوسي تكتب.. السر الصغير

Advertisements

 

بقلم: ضحى الباسوسي

تكره ذلك الاقتراب المفاجىء ممن حولها، تَمقتُ الاهتمام الزائد عن حده ممن يجاورها، كل من تصادقه أراد معرفة كل شىء و أي شىء عنها وعندما يحين الدور عليها, وتطرح الأسئلة تجدهم وبكل بساطة يحركون أعينهم هرباً من النظر مباشرة في عينيها، مُختصرين أجوبتهم مُتجنبين الوضوح معها، ليس خوفاً منها بل لأن حقيقتهم هكذا.

يقول البعض تقترب كثيراً من شىء، تُصبح الرؤية صعبة، مصحوبة بضباب يُصيب بالعمى كل من كان نظره حادا، ويصيبه أيضا بعدم القدرة عن رؤية الأشياء في حالتها الصحيحة، أما في الابتعاد فيُمكن للمرء أن يرى الصورة كاملة الوضوح دون أي اهتزازات، وأما عنها فقد أصبحت لا تهتم لأحد، لم تعد تهتم لشىء ولكل شىء على الإطلاق، تعلم أن المبالغة عند فعل شىء ما يَنتجُ عنه فعل مُصطنع مُتصنِعاً، فما بالك عندما تكمن تلك المبالغة في المشاعر الإنسانية، في التعامل مع الناس.

تُحِبُ أن تفعل كل شىء بهدوء وأن تعطِى كل شىء حقه. التَكلف والإفراط في الشىء يفقده معناه، لم تُدرك المعنى الخفي خلف تلك المقولة التي طالما شغلت تفكيرها يوماً بعد يوما حتى حدث ما حدث، و صار لها ما كسر قلبها، وفَرطَت حبات اللؤلؤ، وتناثرت بين كفي يديها الباردتين المرتعشتين، الباحثتين عن حضن كفٍ يداوي ما تم قطع وصله فجأة دون أدنى سبب، ودون أدنى تفسير، مبرراً لفكرة ابتعادهم المُفاجىء عنها. آه لو تبردُ نار قلبها الصغير الذي يصرخ “ماذا فعلت؟ بماذ اخطأت؟ لماذا لا يمكنني الاحتفاظ بكل من يقترب مني، بكل من اقترب منه؟ “. أصابها كثرة التفكير بألم شديد في الرأس وبلعنة الانعزال، حتى حدث و صارت الصدفة أو هكذا تُسميها,

ولكنها في قرارة نفسها لا تؤمن بالصُدف. هذه المرة آمنت بوجود صُدف، صُدف ربانية إلَهيه أطلقت عليها مُسمى المُعجزة، عوضها الله بروحِ تشبه روحِها، روحٍ مُرهقة.

من شدة معاناتهما تعانقا، تعانقت أرواحهما في مُنتصف الطريق، خُلِقَ بينهم رباط غريب، جميل الشكل، جميلٌ لدرجةِ أنه لم يُضاهٍ في قوة ارتباطهم ببعض أحداً، كانا يتألمان لنفس الألم، يفرحان لذات الفرح، حتى أن الأفكار ذاتها كانت تخطر ببالهما في نفس التوقيت، تقاربُ وتشابه ساحر في الأفكار سواءً كانت تلك الأفكار عاقلة أم مجنونة، صاخبةً أم هادئةً. أتفق معك تماماً أن توارد الأفكار أمر طبيعي وارد حدوثه بين البشر، لكن هل لك أن تتخيل حدوثه بينهما طيلة الوقت، حتى و إن لم يتحدثا كثيراً مع بعضهما البعض. هذا الرباط، العِناق بين الروحين كان غريباً مُريبا في نظرهما، كان شعوراً إلَهياً رائعاً قادماً من السماء، شعوراً لا يُمكن التعبير عنه بكلمات مُجردة وخالية من تلك المٌجاملات المُصطنعة، تلك التي تحمل في باطنها معانٍ بشرية مُتناقضة تماماً.

مع جمال هذا العِناق والحُب الرباني الذي جمع بينهما دون تدخل لأي مصلحة أو استنفاد للطاقات أو لمشاعرِ بعضهما البعض، ذاك الشعور كان من شدة روعته لا يحمل وصفاً يُحدد بدقة روعة هذا اللقاء الذي جمع بين روحِهما. في نظرهم كان هذا الحدث كبيراً، وذا صدىً مدو، وله وقع خاص حتي و إن لم يستوعبه أحد سواهم، فأصبح هذا سرهم الصغير وسط هذا العالم الكبير.

 

A Zeno.FM Station
زر الذهاب إلى الأعلى

يرجى السماح بعرض الإعلانات

يرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا الإلكتروني يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.