كتاب وأراء

ضحى أحمد الباسوسي تكتب .. حروق العائلة

Advertisements

 

بقلم: ضحى أحمد الباسوسي

في هدوء الليل، حين يسدل السكون ستاره على أركان المنزل، كان يجلس في زاوية الغرفة وحده، يتأمل جدرانها الباهتة التي تحمل آثار الزمن مثلما يحمل الوجه آثار السنين، يستدعي الماضي ويراجع شريط حياته. كان يظن أن العائلة هي البستان الذي يجني منه ثمار السعادة، لكنه اكتشف أن هذا البستان قد امتلأ بالأشواك التي تخفي تحتها أزهاراً ذابلة. في داخله، كانت تشتعل حوارات لا تهدأ، كأنها أمواج عاتية تتلاطم في بحر هادئ ظاهرياً وتجعله يتسائل”كيف يمكن للعائلة أن تكون مصدر طاقتي السلبية؟” تساءل في نفسه، وهو ينظر إلى صورة تجمعه بأفراد عائلته على الرف ” اعتقدت انهم كالشمس التي تنير حياتي، لكن.. أليس من الممكن أن تكون هذه الشمس هي نفسها مصدر حروقي؟”

تذكر حينها تلك الأوقات التي كان فيها يشعر بالضغط والانتقاد المستمر. فهم كانوا كالسحاب الثقيل الذي يحجب عنه رؤية السماء الصافية. فكم من مرة حاول أن يشرح لهم أحلامه، لكنهم كانوا كالأمواج التي تلتطم بصخرة توقعاته، فتتحطم على الشاطئ. أخذ نفساً عميقاً وأغمض عينيه، محاولاً تهدئة الأفكار التي كانت تتراقص في عقله “العائلة، هذا الملاذ الذي نلجأ إليه بحثاً عن الدفء، يصبح أحياناً قفصاً ضيقاً خنيقاً، نعيش في داخله، نعتقد أنه يحمينا، لكننا في الواقع نصبح أسرى توقعاتهم وآمالهم وأحياناً أحلامهم، لأن احلامنا معيبه ومخزيه لهم.”

فتح عينيه ونظر إلى مرآته فيقول “كم من مرة نظرت إلى نفسي في هذه المرآة، ورأيت وجهاً يختلف عما أراه الآن؟ هل أصبحت تلك العائله شجرة متشابكة الأغصان، تتغذى على طموحاتي دون أن أعلم؟”

دائماً ما كان يسعى جاهداً لتحقيق ما يتوقعه منه عائلته وأحياناً أخرى الآخرين من حوله، متناسياً ذاته ورغباته فيقول “كأنني أحاول بناء قصر من الرمال، وكلما اقتربت من النهاية، تأتي موجة من الانتقادات وتجرفه بعيداً. لم أعد أستطيع التمييز بين ما أريده أنا وما يريدونه هم.” في تلك اللحظة، أدرك اخيراً الحقيقة المؤلمة “نحن لا ندرك حجم الطاقة السلبية التي تمتصها أرواحنا من أقرب الناس إلينا حتى نخسر كل شيء بداخلنا. مثلما تنمو النباتات في الظل دون أن تصلها الشمس، نظل نحن في الظل حتى نتلاشى.”

رفع رأسه ونظر إلى السماء من نافذتة غرفته “لكن، هل فات الأوان؟ هل يمكنني أن أستعيد نفسي قبل أن أضيع تماماً؟ كالفراشة التي تحاول الهروب من شرنقتها، عليّ أن أجد طريقاً للخروج، أن أجد النور الذي يهديني.”

وجدته يبتسم ابتسامة صغيرة، مشجعاً نفسه “ربما لم يفت الأوان بعد. ربما يمكنني أن أبدأ من جديد، أن أزرع بذور أحلامي في تربة جديدة، بعيدة عن الظلال الثقيلة. عليّ أن أكون الشجرة التي تمد جذورها في عمق الأرض، وتصل أغصانها إلى السماء.” كانت تلك اللحظة بداية جديدة له، قراراً اتخذه في عهد بين روحه والنجوم، ليُحرر ذاته من القيود ويستعيد ما فقده من أحلام وآمال.

 

A Zeno.FM Station
زر الذهاب إلى الأعلى

يرجى السماح بعرض الإعلانات

يرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا الإلكتروني يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.