ضحى أحمد الباسوسي تكتب.. سأظل صامدةً
بقلم: ضحى أحمد الباسوسي
في ليلة شديدة السواد وحين خيّم السكون على المكان، وجدتها تُحدق في السماء بثبات شديد وبكل حزن وألم الكون كله سمعتها تُتمتم بكلمات لم أفهم أصولها ومن أين أتت بكل هذا الحزن بداخلها، قالت :”أشعر أن كل شيء خانني في آنٍ واحد!”
ثم توقفت للحظات لعلها تُدرك ما ينبثه فمها من كلمات لارى قد استطردت في الحديث: لقد بدت السماء وكأنها قد نسيت وعود النجوم التي كانت تتلألأ لتشعرني بالأمل. حتى القمر، الذي اعتدته رفيق صمتي، قد غاب دون أن يترك أثراً. الأرض التي كنت أثق بصلابتها، بدت لي رخوة هشة، كأنها لم تعد تحتمل ثقل أقدامي المثقلة بالحزن. حتى ظلي، رفيقي الذي لم يفارقني يوماً، بات يتلاشى مع كل خطوة أخطوها في هذا الدرب المظلم. إنها خيانة شاملة، مؤلمة، تلك التي جعلتني أدرك أنني أصبحت وحيده في هذا العالم، وأن كل شيء حولي قد خانني، تاركاً إياي أواجه وحدي عواصف الألم والخيبة.
حين تقف على حافة العمر وتنظر إلى الوراء، تشعر بخيبة الأمل كأنها جدار انهار فوق رأسك. خانني كل شيء؛ جسدي الذي حملني عبر السنوات اصبح مثل سفينة هشة تتقاذفها أمواج الحياة، ونفسي التي كنت أظنها حصني المنيع، حتى ذاك الذي اخترته من بين الجميع كشخصي المُفضل، وذلك البيت الذي رسمته في أحلامي منذ الطفولة، والزاوية الدافئة التي لطالما تمنيت أن تكون مستقراً مليئةً بالحنان والود، ولكن كيف أصف تلك اللحظة حين أدركت أن هذا الشخص وهذا البيت ذهب لشخصه الآخر، الذي أصبح المُفضل لديه؟ كان ذلك أشبه بخنجر يغرس في قلبي.
خانني البيت نفسه، الذي بنيته على أمل أن يكون ملاذي الآمن، وكأنه فر من بين يدي كما يفر الرمل من قبضتي. تساءلت كثيراً: أين تكمن شرارة تلك الأحداث؟ فلا أجد جواباً مجدياً، لكن ردود الفعل كانت مدمرة للغاية، اجتاحت حياتي كالإعصار، فتكسرت كل الأشياء الجميلة التي حاولت جاهدةً الحفاظ عليها.
كل الأشياء التي بذلت لها كل طاقتي، كل ما ناضلت من أجله، خانني في لحظة غدر. كأنها أرادت أن تبتعد عني بكل ما أوتيت من قوة، وكأنني لم أكن لها أبداً. تركتني وحيدةً في عالم مليء بالخيبات، عالم ميؤوس منه، تتلاشى فيه الأحلام كما يتلاشى الضباب عند شروق الشمس. لا يهمني الآن سوى النجاة، النجاة من هذا العالم الذي تخلى عني، والذي لم يعد لي فيه مكان. أصبحت وحيدةً، مجرد روح هائمة تبحث عن طريق جديد، طريق لا يحمل في طياته غدر الآخرين، طريق أستطيع فيه أن أكون نفسي دون خوف من الخيانة أو الهجر.
وفي النهاية، أقف هنا، على حافة اليأس، أتساءل كيف سأواصل السير في هذا العالم القاسي، ولكن حتى وإن خانني كل شيء، لن أخون نفسي. سأظل صامدةً، باحثةً عن بصيص من الأمل، مهما كان ضئيلاً. فربما، في يوم من الأيام، سأجد ذلك المكان الذي يقدرني ويحتويني، دون خوف من الخيانة مجدداً.